عندما نجلس لنشرب كوبا من القهوة ونستمتع بمذاقها، ونفكر بالرحلة الطويلة التي مرت بها تلك الحبوب لتصل إلى الكوب. و لكن الحقيقة هي أن تلك الحبوب قد مرت بمراحل عديدة قبل أن تصبح جاهزة للطحن و التحضير.
البن المستخدم في القهوة يأتي داخل ثمرة شبيهة بالكرز تسمى كرزة القهوة، في كل كرزة يوجد غالبا بذرتين يمثل كل منهما حبة بن القهوة، ويغطي البن قشرة خارجية تحجب البذرة.
عندما يرغب المزارع في اتخاذ القهوة المحصول الزراعي الرئيسي في مزرعته، يجب عليه الانتظار لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات لكي يحصل على أول محصول من القهوة .
أغلب عمليات الحصاد للقهوة تتم من خلال القطف اليدوي، في بعض الحالات يتم استخدام المكائن المخصصة و لكن هناك معوقات تمنع انتشار هذه التقنية.
أما بالنسبة للحصاد اليدوي، فإنه يتم بإحدى طريقتين: إما أن يكون الحصاد من خلال قطف كل كرزة على حدة أو أن يتم من خلال القطف الجماعي لجميع الكرز الموجود على فرع الجذع، مع ملاحظة أن الطريقة الأولى غالبا ما تساعد في اختيار حبوب الكرز ذات النضج الكافي.
في هذه الطريقة يتم وضع كرز القهوة على اسرة مرتفعة تحت اشعة الشمس، وذلك يساهم في الحصول على بن تغلب عليه النكهات الفاكهية المعقدة.
تتم إزالة الثمرة كليا من خلال أداة متخصصة، و بعد ذلك تجمع الحبوب في حوض ماء لغسلها، مما يزيل السائل الهلامي العالق على البن، و بعد ذلك يتم تجفيف الحبوب على أسطح معرضة للشمس، الكوب الناتج عن هذه الطريقة أقل فاكهية واعلى صفاوة من مثيله المعالج بطريقة التجفيف الطبيعي.
هذه طريقة جديدة تجمع بين المعالجتين السابقتين، تزال الثمرة من خلال الأدوات الخاصة و لكن لا يتم غسلها ليبقى عليها السائل الهلامي، و يتم تجفيفها على هذا الحال.
في كل الحالات الثلاث، يتم التجفيف حتى يصل معدل الرطوبة في حبة القهوة إلى ما بين 10 إلى 14%. بعد ذلك ترسل القهوة إلى الصوامع و تخفظ لمدة لا تقل عن 15 يوماً، و من ثم تزال القشرة من على القهوة، و يتم فرزها و تقسيمها حسب جودتها.
نظرة عامة على التخمير
التخمير جزء أساسي في إعداد كثير من الأصناف الغذائية الموجودة في حياتنا اليومية كالخبز واللبن، وهو يعتمد على تغذّي الأحياء الدقيقة على السكريات في الصنف المعد، وهذا بدوره ينتج عنه مخرجات جانبية تعطي ذلك المنتج شكله أو طعمه الذي نعرفه.
في عالم القهوة، وفي معالجة القهوة بالذات، يعتبر التخمير جزء أساسي من عملية إعطاء القهوة طعمها المميز الذي اعتدنا عليه، وهو يعتمد على تغذّي البكتيريا والخميرة – المتواجدة طبيعيا في بيئة المعالجة – على السكريات في المادة الهلامية حول كرزة البن، حيث ينتج عن تلك التغذية مخرجات ثانوية –كالأحماض العضوية – وتمتصها حبة البن، وعندما يتم حمصها تعطي النكهات المميزة التي نبحث عنها في كل تجربة. وبالطبع الأحياء الدقيقة تفقد الإمكانية على العيش في الفترات الأخيرة من معالجة القهوة، بالتحديد عند وصول الرطوبة الداخلية لحبة البن إلى ما يقارب 14%.
التخمير في بيئة لاهوائية
كل ذلك يحدث أيا كانت وسيلة المعالجة، فما هو المختلف إذا في التخمير اللاهوائي؟ البيئة المفتقدة للاكسجين في التخمير اللاهوائي لها فائدتان رئيسيتان، أولا أنه من خلالها يتم إبطاء عملية التجفيف، وهذا فائدته تكمن في تكوين نكهات مختلفة عن تلك التي تنتج عن التخمر السريع في الأوضاع الطبيعية، ثانيا أن البيئة هذه ستعطي مجالا لبكتريا وخميرة أخرى تماما عن تلك التي في بيئة غنية بالاكسجين، وبالتالي النكهات التي نجدها في القهوة عند حمصها تختلف.
أين تأتي مرحلة تخمير القهوة في بيئة لاهوائية؟
تأتي خطوة التخمير هذه عادة في البداية، أي أنه عند وصول القهوة إلى محطة المعالجة، وقبل أن يزال كرز القهوة عن حبة البن، يتم تخميرها إما في خزانات حديدية مقاومة للصدأ أو أكياس بلاستيكية كثيفة، ويكون هناك وسيلة لإخراج ثاني أكسيد الكربون دون دخول الأكسجين، وكذلك تكون هناك مراقبة كثيفة لمعدل الحمضية في ووقت ودرجة الحرارة في البيئة اللاهوائية. بعد أن تنتهي مرحلة التخمير في بيئة لاهوائية، يمكن معالجة القهوة بأي من الطرق الثلاثة المعروفة: مغسولة، مجففة، أو عسلية.
الفرق بين التخمير اللاهوائي والنقع الكربوني
التفريق بين النوعين هنا مبني على المتعارف عليه لكل مسمى وليس على اختلاف فعلي في معنى المسميين. بالعادة يشار إلى ما وصفناه أعلاه بالنقع الكربوني، بينما في حال تم إزالة الثمر ومن ثم جمعت المادة الهلامية المحيطة بحبة البن وكونت سائلا توضع فيه حبة البن في بيئة لاهوائية فهذا يسمى تخميرا لاهوائيا. لأغراض المقال هنا، استخدمنا مصطلح “التخمير اللاهوائي” لوصف النقع الكربوني و التخمير اللاهوائي كما هو متعارف عليهما.
هل تختلف القهوة فعلا؟
التخمير اللاهوائي يتطلب متابعة دقيقة للمحصول وحرص شديد من قبل المسؤول عن معالجة القهوة، لذلك ليس جميع القهوات المعالجة لا هوائيا ستعطي نتائج استثنائية، ولكن في حال نجحت المعالجة وتمت بشكل سليم فإن النكهات مختلفة فعلا، ولكن لا تستندوا على كلامنا هنا فقط، بإمكانكم تجربة أحدث المحاصيل لدينا، بالمعالجات اللاهوائية.
إضافة النكهات إلى البيئة اللاهوائية
ضمن التجارب التي تقوم بها محطات المعالجة، تتم إضافة أصناف غذائية مختلفة إلى بيئة التخمير اللاهوائية (غالبا لا يتم في النقع الكربوني)، مثل البهارات أو الفاكهة الاستوائية، وتتم هذه الإضافة في محاولة لإعطاء نكهات جديدة مختلفة للقهوة. ربما الكثير من الناس سيعارض هذه الفكرة نظرا لكونها تؤثر على تجربة البن نفسه والإقليم والدولة التي قدم منها، ونحن نحمل وجهة النظر هذه، ففي الفترة الحالية على الأقل لن تجدونا نعرض قهوة لاهوائية تحمل نكهات مضافة.
بعد معالجة القهوة، تصبح جاهزة للشحن، و يتم إرسالها آلاف الكيلومترات من خلال سفن الشحن حتى تصل إلى مكان الحمص، بعد التأكد من نجاعة البن، يٌحمص بالطريقة التي تُظهر حسنات ذلك النوع من القهوة و الصفات التي يتفرد بها المكان الذي نمت به.
تحفظ القهوة بعد حمصها بعيدا عن الهواء الخارجي و الضوء، و يفضل استخدامها في مدة ما بين سبعة إلى ثلاثين يوما من اليوم الذي حمصت به.